كلنا نسأل لماذا الباري أختار الرسول دونا ًعن باقي البشر ؟ ولماذا كان الرسول يتيما ً ؟ وأُميا ً ؟ وفقيرا ً ؟ وراعيا ً للغنم ؟ ولماذا الغنم وليس الإبل مثلا ً ؟ ولماذا تزوج من امرأة أكبر منه ؟ ولماذا يموت له الصبيان ؟ ولماذا بُعث في الــ40 من العمر وليس قبل ذلك ؟ ولماذا ولماذا ؟؟؟ كلها أسئلة تدور في فكرنا وللإجابة على هذه الأسئلة يجب أن نروي القصة من البداية ...
في البداية يجب أن ندرك بعض الحقائق التالية :-
أن الروم والفرس كانتا القوتان المسيطرتان على العالم آن ذاك وكانت شبه الجزيرة العربية هي الطريق الوحيد للتجارة ومن هنا أحتل العرب أهمية كبيرة ومما زاد من أهميتهم وجود بيت الله الحرام (الكعبة المشرفة) وسيادة قبيلة قريش عليها لذلك كانت قريش تسيطر على التجارة وتحمي القوافل وكانت الكعبة تحتوي على 360 صنما ً كل صنم يمثل قبيلة معينة تحالفت معها قريش وكانت هذه الأصنام بمثابة الأعلام الآن ، حيث كل علم يمثل علم دولة معينة وهذا يدل على أن الأصنام التي كانت في الكعبة كانت ليست للعبادة وإنما للتمثيل القبلي والعبادة تكون للبيت نفسه .
• سنبدأ من حادثة هدم الكعبة من قِِِِبَل أبرهة والتي كانت قبل ولادة الرسول بــ 50 يوما ً وأهم ما نتج عن هذه الحادثة موقف جد الرسول (عبد المطلب) ومقولته المشهورة (( للبيتِ ربٌ يحميه )) وموقف القوم حيث إنهم التجئوا إلى الجبل وكانوا يتوجهون إلى الله وليس إلى صنم من الأصنام ينظرون إلى السماء ، من هذه الحادثة سينشأ الرسول الكريم في بيئة تقول له أنَّ جده قد وقف هذا الموقف الشجاع وتزرع فيه القوة والشرف ثم عندما يُحكى له عن هذه الحادثة عندما يكبُر سينشأ على فكرة إن الله هناك فوق في السماء وإن هذه الأصنام ليست ألهه لذلك لم يعبدها أبدا ً.
• وفاة (عبد الله) والد الرسول ، قبل ولادته وبهذا أصبح يتيما ً وهو في رَحِمِ أمه وبعد ولادته أُرسل إلى البادية مع مرضعته السيدة (حليمة السعدية) ولمدة عاميين ثم يعود إلى أمه السيدة (آمنة بنت وهب) لمدة أربعه أعوام ثم تموت والدته وأصبح يتم الأم والأب وهنا أنتقل الرسول إلى بيت جده الذي كان سيد القوم آن ذاك وكان الرسول يذهب مع جده يستمع إلى سادة القوم فيما يتكلمون وكيف يفكرون ويتعلم أمور الحياة وبعد عامين يموت جده فينتقل للعيش مع عمه (أبو طالب ) ومن الشعور القوي بالمسؤولية قرر الرسول أن يعمل وهو في عمر الـ 8 سنوات فذهب إلى عمه ليطلب أن يعمل ليساعد عمه ويَرُدَّ له العرفان ولهذا كان الرسول أُميا ))الأُمي يُعلم الأمم (( وعمل راعيا ً للغنم حتى يتعلم كيف يجمع الأغنام إذا تفرقت لأنه سيجمع أمة ولماذا الغنم وليس الإبل ؟ لأن الغنم أكثر الحيوانات للفرقة فيتعلم من رعي الغنم الحُلم والصبر وما سيواجه في الأمة ، وقد كان يتيما ً لينتقل من بيت إلى بيت ويتعلم الكثير من الأمور ولكي لا يكون لفضل ٍ لأحد على رسول الله حيث يقول الرسول (( أدبني ربي فأحسن تأديبي )) .
• وفي سن الــ 15 يتحول إلى مهنة جديدة وهي التجارة وبهذا يتعلم كيف يتعامل مع الناس حيث التاجر هو أكثر شخص يمكنه أن يتعامل مع الآخرين ويفهم المقابل.
• وفي سن الــ 18 يشارك في حرب الفجار فيتعلم فن الحرب ويشارك في حلف الفضول فيتعلم أمور السِلم .
• وفي سن الــ 23 يتحول من تاجر صغير إلى تاجر كبير ويعمل في تجارة سيدتنا (خديجة) وقبل أن تسلمه تجارتها كلها قامت باختباره لمدة سنة حيث أعطته تجارة اليمن حيث إنها بالقرب من بلاد الفرس وبهذا آن لرسول الله السفر والاحتكاك بالشعوب وبعد أن تأكد لسيدتنا (خديجة) مدى أمانته أعطته تجارتها الكبيرة إلى بلاد الشام حيث أنها بالقرب من بلاد الروم ومن الغريب في الأمر أن الرسول لم يدخل الشام لان تجارته قد باعها قبل أن يدخل الشام وكان أبو سفيان الذي أشتهر بكونه التاجر الأول في تلك الفترة تبقى تجارته في الشام لمدة 3 أسابيع حتى يبيعها ، من هذا نعلم الرسول كان تاجرا ً ناجحا ً .
• وفي سن الــ 25 تزوج الرسول من سيدتنا (خديجة ( وكان عمرها 40 سنة ورغم الفارق العمري 15 سنة ولكن الرسول كان أنضج من عمره وكانت السيدة (خديجة) ذات عقل كبير ومن هذا يتضح لدينا إن الفارق العمري والمادي ليس مهما ً في الحياة الزوجية وإنما المستوى الاجتماعي فا الرسول أبن سادة قريش والسيدة (خديجة) أبنة الأشراف فالمهم في الزوجين أن يكونا من نفس المستوى الاجتماعي ، ثم تتكون لرسول الله العائلة ثم موت الصبيان وهما في سن ٍ مبكرة موت القاسم في سن 4 أعوام وعبد الله في سن 3 أعوام ومن هنا يتعلم الرسول العظيم أن الحياة لا تساوي شيء لهذا نراه أكثر الخلق زهدا ً بالدنيا .
• لم يبقى في شخصية الرسول سوى إثبات قدرته الإدارية كزعيم فتعرضت شبه الجزيرة لسيول مما تطلب إعادة بناء الكعبة الشريفة وكلنا نعلم حادثة الحجر الأسود وتبينت مدى قدرته على تدارك الموقف وحكمته الكبيرة وبهذا أخذ شهادة من قومه على مدى حكمته وعندما يكذبوه قومه فيما بعد يكون تكذيبهم له لمصالحهم ومكانتهم وليس من أجل دين الأجداد أو عدم تصديقهم للرسول كما إدعُو .
• فبعدما تم تهيئة الظروف لرسول الله كان لابد أن يُهيئ الرسول روحيا ً فأصبح يعتكف في غار حراء ليتفكر في خلق الكون السموات والأرض )) كما كان يفعل نبي الله ) (إبراهيم) عليه السلام) وكان يعتكف لمدة 10 أيام متواصلة ولمدة 3سنوات متواصلة والغريب كيف أكتشف الرسول هذا الغار فهو يبعُد 3 أميال عن الكعبة في قمة الجبل حيث أنه يصعُب اكتشافه ، كان الرسول يبحث عن الخالق ويتفكر ويسأل نفسه ماهي رسالته في الحياة ؟ لذلك يقول الفقهاء ((إنَّ تفكُر ساعة خيرٌ من قيام سنة ونور الأيمان التفكير)) وكان الرسول في الأشهر الــ 6 الأخيرة قبل البعثة يرى الرؤى في المنام وتتحق ، كما أنه كان يسمع الأشجار والأحجار تسلم عليه وتقول " السلام عليك يا رسول الله " ولكنه لم يكن يعلم من القائل .
هكذا نشأ وتربى رسول الله ... هكذا تهيئ لحمل أهم رسالة في هذا الكون رسالة الإسلام وهي كلمة الله الاخيرة في الأرض والسؤال المطروح الآن هل ترى في قصته شيء من الغرابة ؟؟ أتحتوي على معجزات أم هي قصة واقعية تخلو من الغرائب ولكنها بتدبير من الخالق ، رسول الله كان يبحث عن رسالته في الحياة والسؤال موجه إليك الآن ما رسالتك في الحياة ؟؟؟ إن لم تكن لديك رسالة فأبحث عنها حتى تجدها فلا تحلو الحياة بلا رسالة وهدف تصبو إليه .