أي طريق كان قريب أو بعيد لا بد له من نهاية تختم وجهة من يسلكه سواء أكانت تلك النهاية هي النهاية الحقيقية لهذا الطريق او كانت هي نهاية المقام الذي قصده السالك فحسب
ومهما قرر السالك الشروع في طريقه بغض النظر عن وجهته و بغيته فإنه قد يجد ما من شأنه أن يعينه او يعيقه لإتمام وصوله إلي آخر هذا الطريق
تأملت حديث حبيبي وشفيعي صلي الله عليه وسلم الذي يقول فيه
حفت الجنة بالمكاره و حفت النار بالشهوات (صحيح الجامع3147)
فمن الناس .. وهم كُثر .. من يعمل لأجل معاصيه ولأجل أن يزيد من رصيدها عنده .. والذنب يجر آخر والمعاصي تشتاق لفاعلها ..فتأتيه في كامل زينتها وعبير عطرها يزكم انفه فلا يري فيها إلا السعادة ولا يشعر وهو بين احضانها إلا بالمتعة . فبريقها يعمي العيون وصوتها يخطف الأسماع فلا يعلو صوت أخر فوقه حتي تأسره و تخطفه إلي أن تأمن تباعيته له و هي تخفي ورائها ما انسته إياه ثم تشده وتجره حتي يقع في غيابة الجب
وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (الزمر47)
قال القرطبي : وأصل الحق الدائر بالشيء المحيط به الذي لا يتوصل إليه إلا بعد أن يتخطى غيره فمثل المصطفى صلى اللّه عليه وسلم المكاره والشهوات بذلك فالجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره والصبر عليها والنار لا ينجى منها إلا بفطم النفس عن مطلوباتها ، وقال ابن حجر : وهذا من جوامع كلم المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وبديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس والحث على الطاعات وإن كرهتها وشقت عليها
فطريق الجنة – جعلنا الله من اهلها - لا ينبغي إلا أن يكون محفوف بالمكاره كالسائر في الصحراء طالب شربة ماء فتهاجمه السباع أوتقاتله الوحوش فإما أن يصل إلي الماء وإما أن تصرعه السباع أو يقتله الجوع والعطش
فالجنة غالية .. وكل غالي لا بد أن يُتعب من أجل الحصول عليه . فنحن نقول ان ما يأتي رخيص يذهب رخيص . والغالي أنت تقدره وتعرف قيمته فتسعي للحصول عليه و الوصول إلي كل ما يساعدك علي ذلك
أما طريق النار – اعاذنا الله منها – فطريق يسير لطالبه قصير مزود بكل الوسائل الخادعة التي بها تخطف لب سالكها وتظهر له السعادة وتخفي وراء ظهرها الشقاء والعذاب والندم فلا يلبث أن يفوق من وهم شهوتها وملاحقتها الدائمة له وتدللها عليه حتي يألفها ويألف بيتها فلا تزال تعطيه و لا تمنعه حتي إذا أراد أن يذوب فيها فتحت أبوابها فابتلعته بغتة فرأي منها وجه غير الوجه الذي طمست عقله به وذاق ما لم يتوقع أن يذوقه منها
ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (الدخان49)
وعلي الطريق لافتات .. ففي الطريق الأول لافتات تؤازر السالك وتعلي همته فتهون عليه مكاره ما يلقاه لأنه يعي ويدرك أن في آخره جنة وأن المشقة تجلب التيسير فيحتسب كل ما يلقاه فيه وكأنها رسوم عبور من الفناء إلي الخلود ومن التعب إلي الراحة .. من الدنيا إلي الجنة
أما الطريق الثاني فمعظم لافتاته تخبره أن لدينا أفضل المعاصي وأشهي الذنوب!! وبأرخص الأسعار . بل مجانا فقط تعالي !!! .... وأخري قليله تخبره أن ويحك ارجع فليس هذا هو طريقك أو أن نهايته كذا وكذا .. فمنهم من ينتبه ويرجع ومنهم من يغره الطريق وخوار قلبه وفساد نيته فيمضي مصراً علي الإستمتاع برحلته . ولا يكتفي بهذا فحسب بل قد يدمر كل اللافتات التي تقابله ويهاجم من يحملها حتي لا يراها أثناء سيره مرة أخري بل وحتي لا يراها غيره ممن يسيرون نفس طريقه فيرجعوا ويظل هو وحيداً
ومما يثير الإندهاش ان كل سالك منهما يعرف أن المقر واحد والمُدخل واحد .. يعلم أن الملتقي هناك .. في القبر حيث تختفي المكاره وتنكشف الشهوات ويبدا جني أولي ثمرات محصوله الذي حصده من بذرة هو يعلم جيدة صحتها من فسادها وأن الذي يسأله علام بكل ما كان من ظاهر وخفي وأنه لا ينام ولا ينسي ولا يظلم ولا يجور وأن سيوفيه أجر ما فعله
َيوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (المجادلة 6)
فإليك أيها السالك قراءة الطريق . وإليك ما علمت في آخر الخط فاختر لنفسك طريق قد عرفت بدايتة