ان الله سبحانه وتعالى غني عنا وعن عبادتنا وطاعتنا، لا تنفعه طاعتنا ولا تضره معصيتنا، بل نحن بحاجة إلى الله ونحن الفقراء إلى الله:
يقول ربي وأحق القول قول ربي:
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر:15-17].
ويقول الملك جل جلاله:
وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم [محمد:38].
وأقرأ معي يقول الملك:
((يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم إنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)).
فنحن يا عباد الله بحاجة إلى الله
ونحن مفتقرون إلى الله فلماذا نعصي الله؟!
ولماذا لا نستشعر عبودية الله؟!
ولماذا لا نستشعر حاجتنا لله وافتقارنا إلى الله؟!.
فليتك تعفـو والحيـاة مريـرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامـر وبيني وبين العالمين خـرابٌ
إن صح منك الود يا غاية المنى فكل الذي فوق التراب تراب
والله إن الإنسان إذا لم يرتبط بالله الواحد الديان فهو كالبهيمة
وعذرا بل هو أضل لأن الله كرمه بالفعل وشرفه بالفكر وجعل له سمعاً وبصراً وفؤاداً.
فيا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم، ما الذي خدعك حتى عصيت الله؟
وما الذي غرك حتى تجاوزت حدود الله؟
وما الذي أذهلك حتى انتهكت حرمات الله؟!
من أنت يا أيها المسكين الحقير الذليل الفقير؟!!
أما أنت الذي تؤذيك وتدميك البقة؟!
أما أنت الذي تنتنك العرقة؟!
أما أنت الذي تميتك الشرقة؟!
أما أنت الذي تحمل في جوفك العذرة؟!
أما أنت الذي تتحول في قبرك إلى جيفة قذرة؟!
من أنت يا أيها المسكين؟!!
أما كنت نطفة؟!
أما كنت ماءً؟!
أما كنت في عالم العدم؟!
قبل سنوات لم تكن شيئاً مذكوراً، وبعد سنوات أيضاً لن تكون شيئاً مذكوراً
يقول الملك :
إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَـٰهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الإنسان:2].
مسكين هذا الإنسان، حقير هذا الإنسان، أتى من ماء، أتى من نطفة، أتى من عالم العدم، فلما مشى على الأرض تكبر وتجبر، ونسي الله الواحد.
بصق الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يوماً في كفه فوضع عليها إصبعه، ثم قال: ((قال الله عز وجل: ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي، قلت: أتصدق!! وأنى أوان الصدقة)).
فيا أيها الإنسان
يا عبد الله
تفكر في نفسك، تفكر في ضعفك وعجزك وافتقارك، وتفكر في عظمة الله وفي ملكوت الله، انظر إلى السماء بلا عمد، انظر إلى الأرض في أحسن مدد، انظر من أجرى الهواء ومن سير الماء ومن جعل الطيور تناظم بالنغمات، ومن جعل الرياح غاديات رائحات، من فجر النسمات، من خلقك في أحسن تقويم؟!!.
أهذا يعصى، أهذا يكفر، أهذا يجحد؟!!
والله إن السماء بما فيها من ملكوت لا تعصي الله، وإن الأرض لا تقوى على أي معصية، وإن الجبال الرواسي الشامخات لا تعصي الله، وإن الشمس بحرارتها وقوتها لا تعصي، وإن القمر بجماله لا يعصي الله، فلا إله إلا الله كيف استطاع هذا الإنسان الضعيف الحقير أن يعصي ربه وخالقه ومولاه؟! كيف تجرأ هذا الإنسان أن يعصي جبار السموات والأرض الذي لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد؟!
يوم تنصب الموازين فيقول الله: يا آدم أخرج بعث النار من ذريتك، فيقول آدم: ما بعث النار؟ فيقول الله: من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعين، عندها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.
أما والله لو علم الأنــام لما خلقوا لما هجعوا وناموا
لقد خلقوا ليـوم لو رأتـه عيون قلوبهم ساحوا وهاموا
ممات ثم حشـر ثم نشـر وتوبيـخ وأهـوالٌ عظـام
ليوم الحشر قد عملت أناس فصلوا من مخافته وصـاموا
ونحن إذا أمـرنا أو نهينـا كأهـل الكهف أيقـاظ نيـام
يا عبد الله، والله لن يبقى معك إلا ما قدمت من أعمال صالحة في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا فـ
يُثَبّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلآخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَاء [إبراهيم:27].
وأما في القبر
فسوف يرجع أهلك ومالك ولن يبقى معك إلا عملك، فإن كان عملك صالحاً أتاك رجل حسن الوجه حسن الثياب حسن الريح، فتسأله: من أنت؟ فوجهك الذي يأتي بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، ولا أفارقك، وإن كان عملك خبيثاً فسوف يأتيك رجل قبيح الوجه قبيح الثياب قبيح الريح، فتقول له: من أنت؟ فوجهك الذي يأتي بالشر، فيقول لك: أنا عملك السيئ ولا أفارقك.
وليت أن الأمر ينتهي عند هذا الحد
بل سوف تقف عارياً حافياً في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق على قدر ميل منهم، ويكون الناس في ذلك اليوم على قدر أعمالهم، فمنهم من يبلغ عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ عرقه ركبتيه، ومنهم من يبلغ عرقه حقويه، ومنهم من يبلغ حنجرته، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، فتفكر يا عبد الله يوم تقف بين يدي الله ليس بينك وبينه ترجمان، فتتلفت يميناً فلا تجد إلا ما قدمت، وتتلفت شمالاً فلا ترى إلا ما قدمت، فتتلفت أمامك فلا ترى إلا النار، وقد غضب الرب غضباً لم يغضب قبله ولا بعده قط، فعجباً لك يا ابن آدم كيف تجتهد وتتعب وتنصب وتشقى من أجل خمسين أو ستين سنة في هذه الحياة الدنيا - وهذا لمن بلغ الخمسين أو الستين - ولا تجتهد ولا تعمل من أجل يوم واحد فقط مقداره خمسين ألف سنة، ومن أجل موقف خطير ومصير مجهول إما إلى نار وإما إلى جنةمَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
إخوتااااااااااااااااااه:
فقد جاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم أحد السلف الزاهدين العابدين، هذا الرجل أسرف على نفسه في المعاصي، فجاء إلى إبراهيم فقال له: عظني حتى لا أعود إلى معصية، قال له إبراهيم: إن استطعت على خمس أمور فلن تعصي الله: إذا أردت أن تعصي الله فاعصه حيث لا يراك، قال: وكيف ذاك وقد وسع علمه السموات والأرض؟ وإذا أردت أن تعصي الله فاخرج من داره، قال: وكيف ذاك وكل ما في السموات والأرض ملك لله؟ وإذا أردت أن تعطي الله فلا تأكل من رزقه، قال: وكيف ذاك وكل ما في السموات والأرض رزق الله؟ وإن أردت أن تعصي الله فإذا جاء ملك الموت فقل له: أخرني إلى أجل قريب، قال: وكيف ذاك وهو القائل: فَإِذَا جَآء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَـأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [النحل:61]؟ وإن أردت أن تعصي الله فإذا جاءك زبانية جهنم ليأخذوك معهم فلا تذهب معهم، فما كاد أن يسمع إلى هذه الخامسة حتى بكى بكاءً شديداً وعاهد الله أن لا يعود إلى معصية.
فيا عبد الله
نعم
أنت أيها العبد
يا من أسرف على نفسه في المعاصي، يا من ابتعد عن الله، يا من أعرض عن الله، عد إلى الله فهو القائل: قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ [الزمر:53].
وهو الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها وهو القائل:
((يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو جئتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لغفرت لك على ما كان منك ولا أبالي)).
سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزال مهما هفا العبد عفا
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله من العطا لذي الخطا
ونصيحه لله
لا يغرنك يا ابن آدم ستر الله فإن كنت سترت هنا فتذكر الفضيحة يوم الفضائح والكربات
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
تعرض لنفحات الله - يا عبد الله - ما دمت فوق الأرض قبل أن تصير في بطن الأرض
تزود من الأعمال الصالحة ما دمت في النور قبل أن تصير إلى ظلمة القبور، تعرض لرحمة الله وأنت تسمع المواعظ قبل أن تسمع قرع نعال من ودعوك وأودعوك في قبرك
تذكر يا عبد الله واتعظ وأنت في المهلة قبل النقلة
وأنت في دار العمل قبل أن تصير إلى دار الجزاء.
فيا نفس توبي قبل أن لا تستطيعي أن تتـوبــــي
واسـتغفري لذنـوبـك الرحمـن غفــار الذنـوب
إن المنــايــا كالريــــاح عليك دائمة الهبوب
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان