فرحــــــــــة Baby Admin
عدد الرسائل : 1138 العمر : 35 تاريخ التسجيل : 05/06/2008
| موضوع: لعلكم تتقــــــــــــــــون السبت 6 سبتمبر 2008 - 2:46 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم أحبائي في الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة 183)
جرت العادة في ناصية شهر رمضان أن يكون الخطاب عن التقوى, بوصفها الحكمة الكبرى لمشروعية الصيام, كما في هذه الآية, فقد صُدِّرت بنداء المؤمنين للتنبيه على أن هذه الفريضة من الإيمان؟!, و مالها لا تكون كذلك وقد جاء في الأثر أن الصوم نصف الصبر, و أن الصبر نصف الإيمان, و هذا يعني أن الصوم ربع الإيمان, و لا عجب في ذلك فقد بني الإسلام على خمس, مفتاحها الشهادتان, و تبقى أربعة أركان, و الصوم هو الثالث منها, بعد الزكاة و قبل الحج.
ثم أخبرت الآية أن الصوم قد كتب علينا كما فرض على الذين سبقونا بالإيمان, فهو شعيرة عامة في دين الله للأولين و الآخرين , و في ذلك تخفيف من ربكم و رحمة, فإن البلاء و التكليف إذا عمَّ في الناس هان على المكلفين, إذْ ليس من خصوصيات هذه الأمة وحدها, و فيه إيماء إلى أن ربنا تبارك و تعالى أراد أن نلحق بالسابقين, حتى لا يفوزوا علينا بطاعةٍ لا ندرك ثوابها, فقد أراد لنا أن نكون الأولين يوم القيامة و إن كنا الآخِرِين في الدنيا, و لا شك أن الشرائع المشتركة- مع أنه جعل لكل أمةٍ شرعة و منهاجاً- دليل على أن المصلحة فيها لازمة لجميع الأجيال, و لا تتغير بتغير الأزمان و الأقوام.
ثم جعل علة هذا الواجب رجاء الظفر بالتقوى, دون القطع بحصولها؛ حتى نجتهد في الصيام إيماناً و احتساباً, و نكون في نفس الوقت مشفقين ألَّا نبلغ درجة المتقين؛ فإن المؤمنين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة, فإنما يتقبل الله من المتقين, و قد تحبط أعمالكم و أنتم لا تشعرون.
وقد يسأل سائل عن التقوى و ما هيتها, وعن تجلياتها و مظاهرها, ثم عن بركتها و أجرها, و كل أولئك نجده منصوصاً في القرآن العظيم: أما حقيقة التقوى فنجدها في صدر سورة البقرة, و في آية البر منها, و في الأحكام المعللة بها, كما نقف عليها في جوف سورة آل عمران, و في جوانح سورة الأنبياء, و لا يخلو منها ربع المفصل كما في الذاريات.
إن أول البقرة قد أنبأ عن الكتاب أنه هدىً للمتقين, ثم نعتهم بالإيمان بالغيب, و إقام الصلاة, إيتاء الزكاة, مع وجوه الإنفاق المختلفة, و هم كذلك يؤمنون بكل ما أنزل في التوراة و الإنجيل و القرآن, و غير ذلك من صحف إبراهيم و موسى, و النبيين من قبلهم و من بعدهم, مع اليقين الجازم بالآخرة و لقاء الله, ذلك يوم مجموع له الناس, و ذلك يوم مشهود, يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه, فمنهم شقي و سعيد.
و أما آية البر فزادت تفصيلاً في أركان الإيمان, و في وجوه الإنفاق لذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب, و أكدت على الصلاة و الزكاة, و الوفاء بالعهد مع الصبر في البأساء و الضراء, و حين البأس, إذا حمي الوطيس و التقى الجمعان, أو تقاتل خصمان اختصموا في ربهم.
و لا يفوتنا أن الآية قد شهدت بالصدق و بالتقوى لمن أخذوا بآية البر, ثم جعلت التقوى علةً للقصاص و الوصية و الصوم, ولا سيما في الامتناع عن الرفث إلى نسائكم, و عن طعامكم و شرابكم متى تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى الليل, ثم في الالتزام بأحكام الاعتكاف, و إتيان البيوت من أبوابها, و في التزود للحج, مع التنبيه على أن خير الزاد هو التقوى, كما أن لباس التقوى ذلك خير, و غير ذلك كثير.
أما في آل عمران؛ فأخبر أن الجنة قد أعدت للمتقين, و هم الذين ينفقون في السراء و الضراء, و الكاظمين الغيظ, و العافين عن الناس, بل المحسنون إليهم, كما أنهم إذا فعلوا فاحشة, أو ظلموا أنفسهم, سارعوا إلى التوبة النصوح.
و أما في الأنبياء فأخبر أن المتقين هم الذين يخشون ربهم بالغيب, و هم من الساعة مشفقون, و في الذاريات بَشَّر المتقين بجنات و عيون؛ فإنهم كانوا قبل ذلك محسنين, كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون, و بالأسحار هم يستغفرون, و في أموالهم حق للسائل و المحروم.
و أما تجلياتها و مظاهرها فإن التقوى تثمر العفو, و أن تعفو أقرب للتقوى, و العدل؛ اعدلوا هو أقرب للتقوى, و التعاون على البر و التقوى, و التناجي بالبر و التقوى, و تعظيم شعائر الله؛ فإنها من تقوى القلوب؛ بل الدعوة إلى التقوى و الأمر بها؛ فإن الذي جاء بالصدق, و صَدَّقَ به, أولئك هم المتقون.
و بالإجمال فإن المؤمن الحقيقي هو الذي يجعل من التقوى لباساً يرتديه, و زاداً يقتنيه, فلا يتحرك إلا بالتقوى, و لا تنفد من سلوكه و أخلاقه.
فإذا جئنا إلى بركات التقوى و ثمارها وجدنا ربنا تبارك و تعالى يؤكد أن الله مع المتقين, و أنه يحب المتقين, و أنه وليُّ المتقين, و لا يتقبل إلا من المتقين, و جعل العاقبة في الدنيا للمتقين, فإن الأرض لله, يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين, كما أنه قد أوجب أن تأمر أهلك بالصلاة, و أن تصطبر عليها, و عَقَّب بأنه ما يريد منكم من رزقٍ, بل هو الذي يرزقكم, و العاقبة للتقوى.
و لعل أعظم ثمرة للتقوى هي الجنة التي وعد الرحمن عباده بالغيب, فقد أعدت للمتقين, و لنعم دار المتقين, لهم فيها ما يشاؤون, كذلك يجزي الله المتقين, فإنه يحشر المتقين إلى الرحمن وفداً؛ أي راكبين معززين مكرمين, فقد أزلفت الجنة للمتقين غير بعيد, فكانت للمتقين مفازاً, حدائق و أعناباً, و كواعب أتراباً, و كأساً دهاقاً, بل إن المتقين في مقام أمين, في جنات و عيون, يلبسون من سندس و إستبرق متقابلين, كذلك و زوجناهم بحور عين, يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت, إلا الموتة الأولى, ووقاهم عذاب الجحيم, ثم إنهم في جنات و نَهَر, في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر, و هم في ظلال و عيون, و فواكه مما يشتهون, و يقال لهم: كلوا و اشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون, و بما أسلفتم في الأيام الخالية, و يكفي أن الآخرة عند ربك للمتقين, و أن الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين, و إن للمتقين لحسن مئاب جناتِ عدنٍ مفتحة لهم الأبواب, متكئين فيها, يدعون فيها بفاكهة كثيرة و شراب, وعندهم قاصرات الطرف أتراب.
لقد أنزل ربنا تبارك و تعالى قرآناً عربياً غير ذي عوجٍ لعلهم يتقون, و قد أنزله قرآناً عربياً, و صَرَّفَ فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكراً, وإن الذين يُمَسِّكون بالكتاب, و أقاموا الصلاة, أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى؛ فإن من يتَّق الله يجعل له مخرجاً, و يرزقه من حيث لا يحتسب, و من يتق الله يجعل له من أمره يُسْرا, كما أن من يتق الله يُكَفِّرْ عنه سيئاته, و يُعْظِمْ له أجرا, و إن تؤمنوا و تتقوا فلكم أجر عظيم, و إن تصلحوا و تتقوا فإن الله كان غفوراً رحيما, و إن تصبروا و تتقوا فإن ذلك من عزم الأمور, و إن تصبروا و تتقوا لا يضركم كيد أعدائكم شيئاً, و إنه من يتق و يصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين, كما أنكم إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً, و يكفر عنكم سيئاتكم و يغفر لكم, فاتقوا الله و قولوا قولاً سديداً؛ فإن الله يُنَجِّي الذين اتقوا بمفازتهم, لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون, فقد سيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً, و لأجر الآخر خير للذين آمنوا و كانوا يتقون.
باختصار: فإن الصيام طريق التقوى, و إن التقوى مفتاح كل خير في الدنيا, و يوم يقوم الأشهاد, فصوموا إيماناً و احتساباً حتى تفوزوا بفرحتين: فرحة التوفيق للطاعة, و الإعانة عليها إلى الفطر, و فرحة الثواب العظيم عند لقاء الله يوم القيامة, فإن الصوم لله, و هو الذي يَجْزِي به, و إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب. و الله ولي المتقين والله المستعان
| |
|