أن المرء يطّلع على عيوب نفسه ويكتشف أشياء تدهشك ولا يفقه الرجل حتى يمقت نفسه ويحتقرها في جنب الله، وكان بعض السلف يقول في دعائه في عرفة ( اللهم لا ترد الناس لأجلي)! ، وكان محمد بن واسع يقول: (لو كان للذنوب ريح ماقدر أحد أن يجلس إليّ)!، مع أنه من كبار العباد في هذه الأمة، وقال يونس بن عُبيد: ( إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير ما أعلم أن في نفسي منها واحدة)!
وهذا حمّاد بن سلمة دخل على سفيان الثوري وهو يحتضر فقال: ( يا أبا عبد الله أليس قد أمنت مما كنت تخافه وتقدم على من ترجوه وهو أرحم الراحمين؟!) قال: (يا أباسلمة أتطمع لمثلي أن ينجو من النار) قال: (إي والله إني لأرجو لك ذلك).
وقال جعفر بن زيد: ( خرجنا في غزاة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة فصلوا ثم اضطجع فقلت: لأرمقنّ عمله، فالتمس غفلة الناس فانسلّ وثبا فدخل غيظة (مجموعة أشجار ملتفة) قريب منا، فدخلت على أثره فتوضأ ثم قام يصلي فجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة فتراه التفت إليه أو عدّه جرو! فلما سجد قلت الآن يفترسه فجلس ثم سلّم ثم قال: ( أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر)، فولّى وإن له زئيراً، فمازال كذلك يصلي حتى كان الصبح فجلس يحمد الله وقال: (اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار ومثلي يستحي أن يسألك الجنة)! ثم رجع وأصبح وكأنه بات على حشاياً ، أما أنا فأصبح بي ما الله به عليم من هول ما رأيت!
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (اللهم اغفر لي ظلمي وكفري)، فقال قائل: ( يا أمير المؤمنين هذا الظلم فما الكفر؟) قال: (إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ
كَفَّارٌ) سورة ابراهيم : 34 ، فإذا تمعّن الإنسان حال السلف عرف حاله والبعد الشديد مابينه وبينهم.
إذاً ففي المحاسبة
مقارنة حال بحال فينكشف التقصير العظيم.
ومن التفكر في العيوب أن الإنسان ينظر في عمله ما دخل عليه فيه من العُجب والغرور فيرى نفس كاد أن يهلك ومهما عمل فهو مقصِّر.
أن يخاف الله عزوجل.
4- ومما يعين على المحاسبة استشعار رقابة الله على العبد وإطلاعه على خفاياه وأنه لا تخفى عليه خافية (( وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) )) سورة ق : 16 . وقال تعالى: (( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)) سورة البقرة : 235 .
5- من الأشياء المهمة في المحاسبة التفكر في الأسئلة يوم القيامة وأن تعلم أنك مسئول يوم القيامة ، ليس سؤال المذنبين فقط، فالله تعالى قال: ((لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ)) سورة الأحزاب : 8 ، وإذا كان الصادقين سيسألهم الله عن صدقهم فما بالك بغيرهم؟! (( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) )) سورة الأعراف : 6 وحتى الرسل يُسألون..!!!
إنتهى درس المحاسبة
للشيخ محمد بن صالح المنجد
والذي كان ضمن ثلاث مقالات (محاسبه النفس قبل العمل ، من أين نبدأ في محاسبة النفس؟،فوائد محاسبة النفس ومصالحها)
ومن الله التوفيق ،،،