الانتخابات الأمريكية والاستقطاب الإقليمي
مع ترقب ساعات اعلان النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية الأمريكية، كانت هذه الساعات، رغم محدوديتها، تمثل أهمية قصوى ليس فقط بالنسبة للأمريكيين الذين انقسموا حول أجندتين متميزتين للمرشحين الجمهوري جون ماكين والديمقراطي باراك أوباما، إحداهما تركز على الاستمرار بثبات موثوق فيه وتحذر من تغيير غير محمود العواقب، وأخرى تطالب بالتغيير وترفض الجمود، ولكن أيضاً بالنسبة لمعظم أقاليم ودول العالم وعلى الأخص منه اقليم الشرق الأوسط، وفي القلب منه وطننا العربي
العرب انقسموا في ما بينهم حول المرشحين، فالذين يعولون على الحليف الأمريكي في فرض سياسات بعينها، وخاصة ما يتعلق بضمان الأمن الوطني والاقليمي، وباتخاذ سياسات متشددة ضد إيران وباستمرار الوجود العسكري والنفوذ السياسي الأمريكي في العراق يفضلون المرشح الجمهوري جون ماكين، باعتباره صمام أمان قادراً على حماية انجازات ثمانية أعوام في عهد الرئيس جورج بوش، أما الذين اكتووا بنيران هذه الإدارة في مناطق الأزمات على الأرض العربية فيحلمون بنهاية سعيدة لعهد جورج بوش، ويتفاءلون بامكانية حدوث بعض التحسن في أداء الإدارة الأمريكية الجديدة، وإن كانوا يدركون، عن وعي، بأن الرئيس والإدارة الجديدة، أياً كانت، ستبقى أسيرة مصالح وثوابت استراتيجية أمريكية في المنطقة.
هذا الانقسام العربي يتكرر أيضاً في الموقفين “الإسرائيلي” والإيراني، ف”الإسرائيليون” متخوفون من احتمال فوز أوباما رغم ادراكهم بأن “إسرائيل” ومصالحها، كانت وستبقى العامل المشترك الثابت بين كل الادارات الأمريكية، لكن خوف “الإسرائيليين” من احتمال فوز أوباما مرجعه الأفكار التي سبق أن تحدث عنها بخصوص إيران والعراق بصفة خاصة، ناهيك عن الخوف من احتمال انكماش في السياسة الخارجية الأمريكية لتخفيف أعباء نفقات السياسة الأمريكية والتزاماتها في الخارج من ناحية على ضوء الأزمة المالية والاقتصادية الأمريكية الراهنة، وكرد فعل للفشل الذي أصاب الاستراتيجية الأمريكية التي اتبعتها إدارة جورج بوش وعلى الأخص في أفغانستان والعراق من ناحية أخرى، على غرار ما حدث من انكماش في السياسة الخارجية الأمريكية، وبالذات من منظور التدخل في الشؤون الداخلية للدول عقب الهزيمة الأمريكية في فيتنام.
ففي “إسرائيل” متخوفون من انسحاب أمريكي من العراق يضع نهاية لطموحات التمدد “الإسرائيلي” في الداخل العراقي، ويجدد فرص عودة ظهور عراق جديد قوي قادر على المنافسة الاقليمية ويتبنى سياسات قومية مناوئة للمشروع الصهيوني، وهم متخوفون من اقدام إدارة أوباما على فتح حوار غير مشروط مع إيران ليس فقط حول برنامجها النووي ولكن أيضاً حول دورها ونفوذها الاقليمي، وهم لهذا السبب كانوا في عجلة من أمرهم للحصول على دعم أمريكي قوي وضوء أخضر للقيام بعملية عسكرية اجهاضية للبرنامج النووي الإيراني، تحسباً لفوز أوباما، لذلك فإنهم في حالة اضطراب شديدة وعجز عن اتخاذ أية مبادرات بهذا الخصوص الآن.
أما إيران، وعلى الرغم من التصريحات الدعائية والمظهرية القائلة بأن طهران لا يهمها من يأتي ليحكم في البيت الأبيض، وأنها لا تعول إلا على نفسها، وأنها معنية دائماً بالاستعداد للتعامل مع أي إدارة أمريكية، في اشارة إلى أهمية المراهنة فقط على القوة الإيرانية، لكن الواقع العملي يقول انهم يحسبون الساعات قبل الأيام، أملاً في فوز أوباما الذي أعلن أنه سوف يفاوض إيران وسوف يسحب القوات الأمريكية من العراق، والأمران مكسب إيراني مائة في المائة.
الكل يترقب وينتظر، لكن الأهم هو أن هذه الحالة من الترقب والانتظار لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية كشفت أولاً عن انقسام في الموقف العربي بين من يفضلون فوز ماكين ومن يأملون بفوز أوباما لأسباب ودوافع ومصالح خاصة لكل طرف، وكشفت ثانياً عن انقسام إيراني “إسرائيلي” حول تفضيل أي من المرشحين على نحو يشابه بل يتطابق مع الانقسام العربي حولهما، وكشفت ثالثاً عن حقيقة باتت واقعاً بكل أسف، وهي ان الانقسام العربي حول الانتخابات الأمريكية هو الوجه الآخر للانقسام والاستقطاب الاقليمي الجديد في المنطقة بين محوري “الاعتدال” و”التطرف”.
ولكن انتهت اللعبة بفوز اوباما
مع التحيه اســـام
عن صحيفة الخليج الاماراتية
[/b]